عزازيل.. للروائي المصري يوسف زيدان
أثارت (عزازيل) العديد من ردود الفعل، ولاقت الكثير من الاعتراضات، وخصوصاً من الكنيسة القبطية، ونُشرت عنها كتب عدة وقراءات متعددة، لتناولها الحقبة المسيحية الأولى التي شهدتها الكنيسة الإسكندرانية، وربما كان سر الضجة التي أقيمت بشأن الرواية هو بالذات تحرشها بواحدة من التابوهات الثلاثة الأساسية، بصرف النظر عن ماهية هذا التحرش.
وتتناول الرواية الحقبة الأولى لانتشار الدين المسيحي في العالم، وتحديداً بعد اعتماد قسطنطين قيصر روما الدين المسيحي ديناً للدولة، حيث تدور الأحداث، في ظل الصراع بين الدين من جهة، والعلم والفلسفة من جهة أخرى، والذي ظلّ متأججاً لقرون عدّة.
وقاد العالم لما يسمى بالعصور المظلمة، وذلك من خلال شخصية الراهب (هيبا) الذي كان شاهد عصره عبر تدوينه لمجموعة من (الرقوق) التي تحوي تجربته الإنسانية، ويبدأ تدوينها ليلة السابع والعشرين من شهر توت القبطي (أيلول) العام 147 للشهداء الموافق العام 431م، وهو العام الذي عزل فيه الأسقف نسطور من أسقفيته، ويحكي عبر هذه (الرقوق) وقائع طرد الكنيسة الإسكندرانية الفيلسوف الأفلاطوني أوريجانوس وهدم معبد (السيرابيوم)..
وقتل العالمة الفيلسوفة (هيباتيا) الذي سمى الراهب (هيبا) نفسه بالجزء الأول من اسمها، وشهد مقتلها وحفظه تفصيلياً في أحد رقوقه، وهربه من الإسكندرية (بعد أن جاءها من أخميم) على إثر هذه الحادثة إلى أورشليم وتعرفه على الأسقف نسطور، ومن ثم ذهابه لشمال حلب ليستقر هناك ويقوم بتدوين رقوقه.
وسجّل دخول زيدان لهذا النوع من الأعمال الروائية في تاريخ الأدب العربي خرقاً لقدسية المسلمات، وكرّس مفهوم الإبداع المستقل عن المراجعة التاريخية أو الدينية، أثار هذا العمل إشكالية العلاقة بين الإبداع والإيديولوجيا بحيث لم يترك مجالاً للاتفاق حول ماهية هذا العمل الذي قدمه، هل هو من نوع الدراسات الدينية التوثيقية؟، أم أنه رؤية إبداعية خالصة؟
وبنى زيدان الرواية بحرفة إبداعية واطلاع كبير على التاريخ مازجاً بين الخيال والتاريخ ضمن حبكة محكمة، حيث بدأت الرواية من حيث انتهت، لتتداخل شخصية الكاتب مع شخصية هيبا في لحظات وتفترق عنها في لحظات أخرى، وتفسح المجال للخيال ضمن سياق المتن الروائي، حملت الرواية العديد من المنولوجات الداخلية التي كتبت بطريقة لغوية متميزة لم تعتمد الإثارة بقدر ما اعتمدت الحبكة..
وجاءت الخدعة التي اعتمدها الكاتب بالتواري خلف اسم المترجم الذي وقّع باسمه في مقدمه الرواية ليضفي صفة الحقيقة على الرواية، وتوحي للقارئ بأنه بصدد عمل يعتمد الوقائع الحقيقية والموجودة، ولكنه أشار في مقدمته إلى أن شخصيته الأساسية (هيبا) قد لا تكون حقيقية ليكشف خدعته التي استخدمها ولكن بطريقة مبطنة، رواية يوسف زيدان (عزازيل) اعتمدت التكوين الفني والمعرفي معاً.
طبعتها الأولى كانت في كانون الثاني/ يناير 2008 عن دار الشروق، وطبع منها حتى أكثر من 20 طبعة، وتتألف من380 صفحة من القطع المتوسط فيها 31 فصلاً (رقًا) ولكل منها عنوان، وحازت على جائزة البوكر العربية عام 2009.
اقتباسات من (عزازيل)
#لا أعرف من أين أتوا بالحبل الخشن الذي لفوه حول معصمها، وأرخوه لمترين أو ثلاثة، ثم راحوا يجرونها به وهي معلقة من معصمها.. وهكذا عرفت يومها معنى كلمة السحل.
#جرّوا هيباتيا بعدما صارت قطعة، بل قطعاً، من اللحم الأحمر المهترئ… ألقوها فوق كومة كبيرة من قطع الخشب، بعدما صارت جثة هامدة.. ثم.. أشعلوا النار..علا اللهب.. وتطاير الشرر.
#غاب عزازيل بداخلي وشعرت بالفراغ يلفني، توسدت فراغي ونمت في نومي.
#أيّ ذكرى مؤلمة بالضرورة. حتى لو كانت من ذكريات اللحظات الهانئة، فتلك أيضا مؤلمة لفواتها.
#لا يوجد في العالم أسمى من دفع الآلام عن إنسان لا يستطيع التعبير عن ألمه.
أعمال يوسف زيدان
ظل الأفعى، عزازيل، النبطي، اللاهوت العربي، حل وترحال، دوامات التدين، متاهات الوهم، محال، جُونتنامو
عن arageek.com
من مقالات
غيث حمّور
إعلامي وناقد سوري، خريج جامعة دمشق قسم الإعلام، مهتم بالشأن الفني والأدبي العربي والعالمي