يعتمد الطرب الغرناطي شأنه شأن كل موروث الحضارة الأندلسية على مفهوم النوبة، وعلى معجم من المصطلحات، يكاد يتفق مع ما هو متعارف عليه في « طرب الآلة »، لكن هناك تمايزات ملحوظة في شكل النوبة وهيكلها وفي الإيقاعات والطبوع.
وانتهت إلينا من رصيد الطرب الغرناطي اثنتا عشرة نوبة كاملة وأربع نوبات ناقصة، وسبع نوبات مكررة بإيقاعات خارجة عن التقليد تسمى انقلابات، وهذا الرصيد هو الذي أقرته المدارس الجزائرية الثلاث وتبنته وجدة والرباط.
فالنوبات الكاملة هي التي تتضمن على الأقل مقطوعة في كل من الإيقاعات الخمس المعروفة في المصدر والبطايحي والدرج والانصراف والمخلص والمعروف من هذه النوبات الديل.
لا نجد في الكتابات القديمة ما يشفي الغليل في ما يخص المقومات المقامية والإيقاعية للطرب الغرناطي.
المجنبة الحسين -الرمل- الغربي، الزيدان، الصيكا، الرصد، المزموم، رمل الماية، رصد الديل، الماية والنوبات الناقصة هي التي فقدت إيقاعا أو عدة إيقاعات ويهم الأمر نوبات الموال وغريبة الحسين والجركة والعراق.
ونجد كذلك إيقاعات خارجة عن المألوف في النوبة الكاملة بعضها من رصيد الموسيقى التركية العثمانية وبعضها شعبي وتسمى هذه النوبات نوبات انقلابات.
ايقاعات الطرب الغرناطي:
تؤدي نوبة الطرب الغرناطي في حصة واحدة في معدل زمني لا يفوق الساعتين، وخلالها يتم استعراض الصنائع بمقدماتها وفواصلها غبر خمس مراحل إيقاعية وهي: المصدر والبطايحي والدرج والانصراف والمخلص .
وإذا كانت هذه الإيقاعات هي نفسها في مجموع مدارس هذا الفن في المغرب والجزائر أي في تلمسان والجزائر العاصمة وقسنطينة من جهة ووجدة والرباط، من جهة أخرى فإن ضروبها قد تختلف في تكوينها ومواقع نبرها، ويظهر الاختلاف بينا مع قسنطينة على الخصوص التي لا تستعمل إلا أربعة إيقاعات تستثني فيها إيقاع الانصراف وتعوضه بالمقابل ببعض الإيقاعات التركية أو التونسية، ولا غرو فالطرب الغرناطي في قسنطينة هو أقرب إلى المالوف في أسلوبه وبعض طبوعه.
أما الممارسة في وجدة والرباط فقد كرست ممارسة وسيطة بين المدرسة التلمسانية وبعض مظاهر المدرسة الجزائرية العاصمية.
إيقاع المصدر أول إيقاعات النوبة، هو إيقاع رباعي حركته بطيئة إلى معتدلة السرعة تؤطر غناء رصينا يتوسل إلى الحيوية في أجوبته الموسيقية التي تخالف المصدر سرعة باستعمالها إيقاعا ثانويا يسمى عند أهل وجدة بالشرف.
أما الإيقاع الثاني فهو البطايحي، رباعي الأزمنة كذلك يبدأ بنبرتين قويتين ويجنح إلى رفع السرعة شيئا ما، والإيقاع الثالث هو الدرج وبشأنه اختلاف، فهو منطقيا سداسي الأزمنة لكن بعضهم يستعمله رباعيا اقتداء بمدرسة الجزائر العاصمة، يحتل هذا الإيقاع مركزا وسطا بين الإيقاعات البسيطة التي تسبقه وبين الإيقاعات المركبة والمتناوبة التي تليه أي الانصراف والمخلص.
الانصراف هو الإيقاع الرابع، وهو من الضروب العرجاء التي لا يستقيم أداؤها لمن لا يحس بجو الطرب الغرناطي ولا يمتلك في وجدانه إيقاعا داخليا خاصا، ويتأكد هذا الإيقاع في ملامحه العامة من خلال أسلوب النقر على الآلات.
آخر الإيقاعات المستعملة في نوبة الطرب الغرناطي هو إيقاع المخلص أو (الخلاص) بمعنى الختام، وهو إيقاع ثلاثي القسمة ثنائي الزمن (أي 8/6) يشبه القدام في طرب الآلة.
أسلوب الأداء:
نوبة الطرب الغرناطي موحدة الطبع من بدايتها إلى نهايتها لكن الطبع هنا مشبع بكل الزخارف والتحويرات النغمية التي تجعله غير رتيب ولا ممل مع طول زمن الحصة، كما أن النوبة الكاملة نستنجد بعدة فقرات مترابطة ومتمايزة السرعة والمضمون والوظائف، ويبرز على الخصوص الترتيب الآتي:
*استخبار وهو مقدمة تهيء الجو العام للنوبة وتتضمن عدة مواقع للعزف الآلي الفردي والموال.
*توشية ذات إيقاع خارج عن إطار الإيقاعات الأساسية.
*إيقاع المصدر.
*جواب آلي في إيقاع بشرف.
*كرسي بطايحي (أي توشية داخلية تهيء للإيقاع الثاني).
*إيقاع البطايحي.
*جواب إلي في إيقاع بشرف.
*كرسي درج (اختياري).
*إيقاع الدرج.
*جواب آلي درج.
*استخبار الفصل بين مرحلتين.
*كرسي انصراف.
*انصرافان أو ثلاثة.
*مخلصين أو أكثر.
تكاد كل أجواق الطرب الغرناطي تتفق على أسلوب التوحيد في العزف دون إتاحة هوامش للعازفين للانزياح عن الخط اللحني الموحد بين كل أفراد الجوق ومجموعة الغناء، وهذا التنظيم يكسب الطرب الغرناطي قيمة فعلية في مجال الرصيد الكلاسيكي لكن الإغراق في التوحيد قد يفقد معه بعض النكهة التي تميز الطرب العربي عامة. علاقة بالطرب الغرناطي بما حوله من أساليب أخرى.
فهناك مناطق التقاء مع « طرب الآلة » ليس فقط كما أسلفنا في مفهوم النوبة وأسماء بعض الطبوع والإيقاعات ومصطلحات الأسلوب، بل كذلك في اشتراكهما في بعض الحصص وتبادلهما لذلك « طرب الآلة »، يقرض طرب الغرناطي مثلا « شمس العشي قد غربت » وبالمقابل يستقبل منه « القدام الجديد ».
في مدينة تطوان نوع من الملحون المطبوع بالأسلوب الغرناطي يرتكز على إيقاع « الزنداني » من فصيلة الانصراف بتركيبته الشعبية وهو نفس الإيقاع المسمى في الجزائر بالمزندل أو « درب حوزي ».
وأخيرا يندر في صنائع الطرب الغرناطي أن نجد صنعات مشغولة بالتراتين (بالات مثلا أو ما في حكمها) ويندر أن نجد صنعات معقدة التركيب لكنها بالمقابل تركز على تمارين صوتية وزخارف آية في الأحكام والضبط.